بقلم : محمد سالم داهي
اصدرت جماعة العدل والاحسان وثيقة سياسية تعد الاكثر شمولية لتوضيحاتها وتصوراتها للإصلاح في الدولة المغربية ، فالجماعة أرادت أن تكيف عمقها الكمي كأكبر تنظيم سياسي بالمغرب ( تتضارب الاحصائيات حول حجم تجذرها الشعبي بين الثلاثة وسبعة ملايين منخرط )، مع حضورها النوعي في كافة مجالات الحياة عبر شمولية وثيقتها السياسية . والتي عبرت فيها عن طموحها في بناء دولة ديمقراطية تقوم على اختيارات المواطنين من خلال التأسيس لدستور ديمقراطي ، مشددة مجددا على أن موضوع الخلافة يمثل مسألة استراتيجية تهم العالم الإسلامي وليس هدفا للجماعة بشكل منفرد رغم تشبثها بمنطلقات و ثوابت ما أسس له مرشدها العام و منظرها الشيخ عبد السلام ياسين رحمه الله .
وأمام ما عبرت عنه الجماعة في وثيقتها السياسية نتسأل عن موقفها من سياسة التوسع التي نهجها و ينهجها المخزن المغربي في الصحراء الغربية ؟ و ما موقف الجماعة من حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير ؟
1_ سياق الوثيقة :
لم تكن الوثيقة السياسية التي نشرتها جماعة العدل والإحسان الأولى التي صدرت عن هذا التنظيم بل سبقتها وثائق أخرى ضمن سياقات كانت لها أهداف مرحلية خاصة ، فبعد الوثيقة الأولى التي كانت رسالة من الشيخ عبد السلام ياسين رحمة الله عليه إلى الحسن الثاني بداية السبعينات تحت عنوان الإسلام او الطوفان والتي شكلت اعلانا عن مشروع التأسيس ،جاءت رسالة إلى من يهمه الأمر للشيخ نفسه تزامنا مع انتقال الحكم من الحسن الثاني لمحمد السادس تأكيدا على تمددها وحضورها القوي ،ثم الوثيقتين الصادرتين باسم الجماعة وهما وثيقة نداء حلف الإخاء و وثيقة جميعا من أجل الخلاص واللتين شكلتا نوع من البحث عن تحالفات ضمن قوى الإصلاح التي تهدف تحقيق تغيير داخل الدولة المغربية .
و تأتي الوثيقة السياسية اليوم في ظل مرحلة خاصة تعيشها الدولة المغربية ، فعلى المستوى السياسي النظام يعيش مرحلة ما قبل انتقال الحكم كما تشير الكثير من الإشارات ،فالعاهل المغربي محمد السادس بات واضحا مرضه للعموم اضافة الى زهده في الحكم وإذا كان من غير الممكن من الناحية الدستورية تنحيه عن الحكم ( ما لم يتم في الأفق خلق تعديل دستوري ) ، فإن مايجري و ما نلحظه من تراشق و صراع المواقع على مستوى رأس هرم المخزن يذكرنا بمرحلة نهاية حكم الحسن الثاني . فرؤوس اجنحة النظام المخزني المغربي اليوم تخوض حرب مواقع لمرحلة ما بعد محمد السادس ، مكرسة بهذا الصراع حقيقة ما يتداول حول صحة العاهل المغربي وما يعيشه نظامه من أزمة سياسية تترك اكثر من سؤال حول مستقبله . إضافة إلى ما يعيشه المغرب من فراغ حزبي ونقابي على مستوى الساحة السياسية وغيابها التام عن النقاش العمومي للقضايا المصيرية للشعب المغربي الشقيق .
وعلى المستوى الاقتصادي الازمة تتفاقم و معدل التضخم يدخل مستويات غير مسبوقة ، ورغم ما يروج عن مشاريع تنموية كبرى ( تنمية الفيترينا) الامور تتجه نحو الانهيار خاصة وأن الاقتصاد المغربي يرتبط باقتصاديات دول غربية و أساسا فرنسا التي باتت مهددة بالانهيار و الإفلاس. مما ينعكس على المستوى الاجتماعي حيث يشهد المغرب ارتفاعا مهولا للأسعار بموازاة ضعف القدرة الشرائية اصلا لدى المواطن المغربي، والاشكال أن اي انفجار اجتماعي سيكون مدمر ويصعب التحكم فيه نظرا لابتعاد التنظيمات السياسية والنقابية المغربية عن هموم المواطنين وتأطيرها وما حضور التنسيقيات في قطاعات عمالية كبديل عن النقابات الا دليل على ذلك .
فضمن هاته السياقات تأتي الوثيقة السياسية لجماعة العدل والإحسان كقوة سياسية و اقتراحية في رسالة واضحة تريد أن تقول انها حاضرة ضمن تصوراتها للإصلاح مع حضورها الكمي كقوة مؤطرة لملايين المغاربة ، وعلى الرغم مما يروج له على أن الوثيقة جاءت كصفقة مع المخزن الا ان منطلقات و مواقف الجماعة لازالت واضحة المعالم ولم تتغير من خلال الوثيقة الصادرة عنها ، وهذا يبدو أنه اربك المخزن والاحزاب السياسية المغربية خاصة وان الجميع يعلم أن المرحلة تتطلب حضور قوة سياسية في المشهد تمكن من تأمين مرحلة انتقال الحكم بشكل سلس ، فيما يبدو أن الجماعة لازالت متشبثة بمواقفها ومقترحاتها لدخول اللعبة السياسية .
2 _ توضيحات الجماعة وسؤال الصحراء الغربية :
ضمن سياق الوثيقة هاته والتي اوردناها سابقا يأتي سؤالنا ، فإذا كانت جماعة العدل والإحسان باتت تؤمن بالدولة المدنية والديمقراطية وتطالب بنظام حكم ديمقراطي ضمن ملكية برلمانية في حدود دنيا و بقيم حقوق المواطنة ( ما يريده المواطنون) ، وما دام مبرر التشتت بات متجاوزا نظرا لموقفها من مسألة الخلافة ، فجماعة العدل والإحسان مطالبة بتوضيح موقفها من حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره ومن سياسة التوسع التي نهجها النظام المغربي بالصحراء الغربية باستعمال القوة ، وما صاحب ذلك خلال الخمسين سنة تقريبا من انتهاك لكل الحقوق الأساسية بما فيها الحق في الحياة بالموازاة مع النهب الممنهج للثروات الطبيعية لإقليم الصحراء الغربية . هذا دون أن يكون لهذا النهب انعكاسات على المواطن المغربي الشقيق ، بل على العكس ظلت قضية الصحراء الغربية كعصى يستعملها النظام لكبح مطالب الشعب المغربي الشقيق في التغيير ، كما استعملت القضية أيضا كمبرر لنهب نظام المخزن للثروات المغربية و نشر فساده في كل المجالات الاقتصادية و السياسية .
لاشك أن التجربة اثبتت أن اي تغيير سياسي أو تحقيق تنمية مستدامة في المغرب لابد أن يمر عبر تصفية قضية الصحراء الغربية ، و على العكس مما يروجه نظام المخزن بكون قضية الصحراء الغربية ترتبط بصراع إقليمي بين المغرب والجزائر فهي ترتبط أساسا بخيار شعب أمن بحريته وبحقه الغير قابل للتصرف في تقرير مصيره ويملك كامل الحق في السيادة على مستقبل هاته القضية ، فقيادة جبهة البوليساريو التي تقود الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي لا يمكنها التصرف في هذا الحق فما بالك بأي طرف آخر .
و من هنا فالنخب و الاحزاب المغربية المؤمنة بخيار التغيير و التي تحلم بغد افضل لشعبها وبلدها ، مطالبة باستعاب الدروس من هذا الصراع الذي فوت و يفوت فرص كثيرة على الشعبين المغربي والصحراوي وعلى شعوب المنطقة ككل. ومن ضمن هذه القوى جماعة العدل والإحسان كقوة تنظيمية مغربية مطالبة بفتح ورش للحوار والنقاش و استعاب الدروس من سياسة مصادرة حق الشعب الصحراوي في تقرير مصير ، فلا يمكن تحقيق تقدم للمنطقة ككل دون تصفية الاستعمار من الصحراء الغربية . فلعنة قضية الصحراء الغربية ستظل كابحة لأي تغيير او تنمية بالدولة المغربية ما لم يتم تصفية القضية بشكل ديمقراطي و عبر تمكين شعبها من تقرير مصيره وهذا ما لازلت للأسف جل النخب و القوى السياسية المغربية لا تريد الاعتراف به .