بقلم د. ماريا لوبيث بييوسو* María López Belloso
يعود تاريخ النزاع في الصحراء الغربية الى زمن إخفاق اسبانيا في تصفية الاستعمار من الإقليم في العام 1975. ومنذ الإعلان عن وقف إطلاق النار، والتوقيع على الاتفاق الإطار، ظل النزاع يتسم بحالة من الجمود ومسار تفاوض عبثي، محكوم عليه بالفشل بسبب التصلب وغياب الإرادة السياسية للمغرب. ليبقى الوضع يراوح مكانه منذ سنوات.
هناك العديد من الدراسات التي تحدثت عن تعنت المغرب ومناوراته المستمرة لإطالة امد النزاع، في الوقت الذي يسعى جاهدا لترسيخ احتلاله للإقليم.
في هذا الاتجاه، بات طرح المجموعة الدولية ـ التي تبدوا بعيدة عن القيام بدورها كوسيط محايد للنزاع، متماه مع الموقف المغربي. من خلال التغييرات اللغوية البارزة، والتي اقصت الإشارة الواضحة الى الاستفتاء، كحل للنزاع، وتجنبت القيام بدور أكثر فعالية في الالتزام بالقانون الدولي.
وقد بات هذا التموقف، الذي يشكل انحيازا فاضحا لمصالح الاحتلال، واضحا منذ استقالة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، السيد هورشت كولير في مايو أيار 2019. وقد مضى أكثر من عام على تلك الاستقالة، دون ان يكلف الأمين العام نفسه عناء تعيين خلف للرئيس الألماني الأسبق.
تكثيف الهجوم لكسر حالة الجمود
لا تلقى حالة اللامبالاة، التي تتبناها الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بصفة عامة والمغرب كطرف للنزاع، رواجا من قبل الطرف الاخر جبهة البوليساريو، التي أطلقت استراتيجية شاملة لكسر الجمود. عبارة عن هجوم مضاعف ـ اذا جاز لنا استعمال اصطلاح لعبة الشطرنج. وهي الاستراتيجية التي تظهر بشكل واضح عدم استعداد الجبهة للقبول بتكريس الامر الواقع.
بداية، أعلنت جبهة البوليساريو مؤخرا عن قرارها الشروع في خطة لبناء واعمار ما يطلق عليه ب “الأراضي المحررة”.
ولم يكن القرار مفاجئ، بقدر ما كان تطبيقا للرهان التقدمي لجبهة البوليساريو القاضي بتعزيز حضور ومكانة “الأراضي المحررة” منذ انعقاد المؤتمر الثاني عشر لجبهة البوليساريو ببلدة التفاريتي، وعقد جلسة للبرلمان الوطني بنفس البلدة، والتوصية المؤسساتية بإعمار التجمعات الحضرية في هذا الجزء من الإقليم.
وتذهب كل من السيدة ارينا ايرنانديث مولينا Irene Fernández Molina والسيدة راكيل اوخيذا غارثيا Raquel Ojeda García الى القول بان هذا الرهان القاضي بتعزيز حضور جبهة البوليساريو داخل الإقليم وتكريس سيادتها سيرسخ رؤية الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية “ككيان انتقالي بين دولة في المنفى وشبه دولة”.
وبحسب الأمين العام لجبهة البوليساريو، السيد إبراهيم غالي، فإن استراتيجية الاعمار تلك تعتبر تكريس لسيادة البوليساريو على الإقليم، ومسعى جاد للبحث عن بدائل لألاف اللاجئين الصامدين منذ عقود بمخيمات اللجوء بتندوف.
بيد ان ذلك الرهان قد يبعث الروح مجددا في مسارات تسوية النزاع التي تم تجاهلها سابقا، مثل مقترح التقسيم. “وهي مسارات لا تتماشى مع القانون الدولي القائم”، كما يقول البروفيسور كارلوس رويث ميغيل Carlos Ruiz Miguel.
ومن المناطق المحتلة، اعلنت السيدة منتو حيدار ـ المدافعة الشهيرة عن حقوق الانسان والحائزة على جوائز عالمية نتيجة لكفاحها السلمي، عن تأسيس حركة جديدة، أطلق عليها اسم الهيئة الصحراوية لمناهضة الاحتلال المغربي.
الإعلان عن ميلاد حركة جديدة
يمكن قراءة تأسيس هذه الحركة الجديدة ضمن سياق دولي واقليمي: كرهان واضح لخلق حركة ترافع عن حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره من داخل الأراضي المحتلة، منحازة بشكل واضح الى وسطها الافريقي الإقليمي: وفي سياق سياسي داخل المغرب، يبو ان حراك الريف الانفصالي ليس وحده من يتحدى السيادة الوطنية. على الرغم من الطبيعة المختلفة لكلا المنطقتين.
وقد أعلنت الحركة في بيانها التأسيسي بشكل واضح عن رغبتها في: “”الدفاع عن حقوق الشعب الصحراوي في الحرية، الاستقلال والكرامة من خلال الوسائل السلمية المشروعة، بما تكفله الأعراف الدولية، والميثاق الافريقي لحقوق الانسان والشعوب على أساس حماية كافة المواطنين وحقوقهم الثقافية”.
حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير
تحيل هذه الدلالة الواضحة على الميثاق الافريقي لحماية حقوق الانسان الى التذكير بان المغرب يتعايش داخل الاتحاد الافريقي مع الجمهورية الصحراوية، العضو المؤسس للمنظمة القارية الافريقية، وهي المنظمة التي ما فتئت تؤكد على الطابع الاعتباري للجمهورية الصحراوية وشرعيتها كعضو بالمنظمة، علاوة على مرافعتها عن حق تقرير مصير الشعب الصحراوي كحل للنزاع.
ولم يتوانى المغرب في اظهار رد فعله، فمنذ الإعلان عن تأسيس الحركة، أطلقت السلطات المغربية حملة مضايقات وتنمر ضد السيدة حيدار وضد مدافعين اخرين عن حقوق الانسان.
وتتزامن هذه الحملة الجديدة من القمع والاضطهاد التي يتعرض لها نشطاء حقوق الانسان في المناطق المحتلة مع أهمية حماية حقوق الانسان ضمن اجندة الصراع. وهو ما يظهر مجددا الحاجة الى توسيع صلاحيات بعثة الأمم المتحدة لتنظيم استفتاء في الصحراء الغربية المينورسو، في انتظار قرار التمديد لمأموريتها هذا الشهر، وتوفير حماية فعالة للمدنيين الصحراويين من قبل الاليات الدولية.
من جانبه، حاول المغرب تكريس احتلاله للإقليم من خلال تدشين قنصليات عدة والاعلان عن بنى تحتية جديدة بالإقليم، كموانئ صغيرة حديثة. وعلاوة على تلك البنى التحتية، تم الإعلان عن تشريعين شهر يناير الفارط يتضمنان ترسيم للحدود المائية الإقليمية والمنطقة الاقتصادية الحصرية، بما في ذلك المياه المتاخمة للسواحل الصحراوية، بما يمثل “خرقا جديدا للوضع القانوني للإقليم الغير محكوم ذاتيا”.
وتعتبر ثغرة الكًركًرات منطقة أخرى مهمة في معركة السيطرة على الإقليم والحصول على شرعية دولية. فهذا الممر الحدودي ـ الذي يعتبر منطقة عازلة بموجب الاتفاق العسكري المبرم بين جبهة البوليساريو والمغرب، تحول الى ثغرة مهمة منذ ان جعل منه المغرب في العام 2016 واحد من أكبر الممرات غير القانونية المراقبة في العالم.
وكانت المنطقة مصدر توتر مستمر بين الطرفين، وتم اغلاقها مؤخرا من قبل متظاهرين صحراويين، احتجاجا على عبور اليات، يعتقد انها تساهم في نهب الثروات الطبيعية للإقليم.
وقد أدى تصاعد التوتر بالمنطقة الى حد اعلان رئيس الجمهورية الصحراوية، السيد إبراهيم غالي القول: “أن المساس بأي مواطن صحراوي بمنطقة الكًركًرات يعد بمثابة اعلان حرب”.
المعركة القانونية
وعلى الرغم مما سبق، فإن استراتيجية البوليساريو لكسر حالة الجمود التي تطبع النزاع لم تقتصر على المبادرات التي سبقت الإشارة اليها آنفا، بل عززت من معركتها القانونية خلال السنوات الأخيرة من خلال تقديم طعون قانونية عدة، خاصة امام المؤسسات الأوروبية، مُنددة بالاستغلال اللاشرعي لموارد الإقليم الطبيعية وبالمساس بالوضع القانوني للإقليم غير المحكوم ذاتيا.
وفي هذا السياق، للمرء ان يتساءل عن دور المجتمع الدولي وعن دور اسبانيا، كقوة مديرة للإقليم. والتغيير في الرئاسة الدورية لمجلس الامن، والتي تولتها روسيا الاتحادية شهر أكتوبر تشرين الأول الجاري، وحقيقة انها برمجت ثلاث جلسات ضمن جدول اعمال المجلس لمناقشة القضية الصحراوية وتحديدا التمديد لبعثة المينورسو، والتي بدأ العمل بها مسبقا من قبل الأجهزة الدبلوماسية لكلا الطرفين.
تحظى جنوب افريقيا حاليا بمقعد في مجلس الامن، وهي حليف رئيس للجمهورية الصحراوية، وستكون لها الرئاسة الدورية للمجلس خلال شهر ديسمبر تشرين اول القادم. لذلك فإنه من المرجح ان تضغط من اجل مواصلة المفاوضات الرامية الى حل النزاع. ومع ذلك، يواصل الأمين العام عدم تعيين مبعوث شخصي له، قادر على استئناف المفاوضات التي أطلقها كولير.
الحياد الفعال
من جانبها تتمسك اسبانيا بموقفها المتمثل في “الحياد الفعال”، داعية الى احترام لوائح الأمم المتحدة، ومتمسكة بالبحث عن “حل سياسي عادل، ودائم ومقبول من الطرفين”، مع تجاهلها الإشارة الى حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره.
وجدير بالقول انه لا يوجد قانونيا مفهوم يسمى ب”الحياد الفعال”. ومن برافع عن ذلك المفهوم، لا يؤيد تطبيق القانون. كما هو بيٍن في وضع الصحراء الغربية بل “بشجع على انتهاكه”، كما يؤكد على ذلك البروفيسور خوان سورويطا ليثيراس Juan Soroeta Liceras.
علاوة على ذلك، يتابع البروفيسور سورويطا فإن “الحياد الفعال” لإسبانيا لا يعدو كونه تحيز مفضوح يفسره الدعم الصريح لمواقف الاحتلال. كما تبرهن على ذلك مشاركة رئيس الحكومة الاسباني الأسبق خوسي لويث ثاباتيرو José Luis Rodriguez Zapatero بمؤتمر حركة “صحراويون من اجل السلام”، وهي حركة منشقة عن جبهة البوليساريو تحاول احداث شرخ داخل وحدة الحركة الصحراوية، مثلما سعت الى ذلك سابقا كل من “خط الشهيد” و “المبادرة الصحراوية من اجل التغيير”.
كل ذلك يظهر كمؤشر على وجود تحركات لحلحلة النزاع. كما يظهر ان أحد الطرفين، أي المغرب، هو المستفيد من إطالة امد النزاع وتكريس الامر الواقع. إضافة الى وضوح الإطار القانوني الذي يجب ان يطبق على وضع ناتج عن مسار تصفية استعمار لم ينتهي بعد. على الرغم من المحاولات الحثيثة الرامية الى التملص من الالتزامات الدولية والعبث بالوضع القانوني للإقليم.
امر ما يتحرك بالصحراء الغربية. فهل تنتهي تلك الهجمات المكثفة بكش ملك؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*د. ماريا لوبيث بييوسو María López Belloso: دكتوراه في القانون وحقوق الانسان بجامعة Deusto ببلباو ـبلاد الباسك. لها سجل حافل في البحث والإنتاج العلمي، علاوة على خبرتها التدريسية وادارتها البحثية. نالت اجازتها للدكتوراه عن موضوع حول الصحراء الغربية. والذي عرضت له من أوجه عدة، مثل التنمية البشرية والمساواة الجندرية، مع التركيز على موضوع حقوق الانسان، وتحديدا حقوق ضحايا الاختفاء القسري. عمل حاليا على مشروع بحثي أوروبي.